كما السياسة العامة، صفقة التغلب على “الهاوية المالية” لها مزايا قليلة تدعمها. ولكن تتمتع بنتيجة سياسية إيجابية تم في الأغلب تجاهلها: فهي تُضيِّق بقوة الفجوة بين الالتزامات السياسية التي قدمناها والطريقة التي قدمت بها عملية إعداد الميزانية هذه الالتزامات رسميًا. يمكن للأميركيين في النهاية الوصول لجدل أكثر وضوحاً، إن لم يكن بالضرورة أكثر إنتاجية، حول ما يجب القيام به.
فهم السبب وراء أنها معقدة بعض الشيء، ولكنها تستحق كل هذا الجهد. مطلوب من مكتب الميزانية في الكونغرس أن يعد “التوقعات الأساسية” التي تعكس الأحكام الواردة في القانون الحالي، بعضها دائم، والبعض الآخر محدودة زمنيًا. هذا الإجراء يعمل بشكل جيد إلى حد معقول طالما أن الأجزاء المؤقتة من القانون الحالي يمكن توقع انتهائه في الموعد المحدد. ولكن في السنوات الأخيرة تم انتهاك هذا الشرط: عالج الكونغرس العديد من أحكام الضرائب والإنفاق على أنها مؤقتة مع عزمه الكامل على تمديدها قبل أن تسقط، مما أدى إلى هوة كبيرة بين الميزانية الأساسية والواقع السياسي. مكَّنت هذه الإستراتيجية المنتشرة بشكل متزايد كل الأطراف من إخفاء التكاليف طويلة الأجل الخاصة بالتزاماتها، مما ساعدهم على تأجيل الخيارات الصعبة.
ردًا على ذلك، بدأ مكتب الميزانية في الكونغرس إعداد ما سماه بدقة “السيناريو المالي البديل”، استنادًا إلى افتراض أن العديد من السياسات المؤقتة المزعومة سوف تستمر إلى أجل غير مسمى. خذ على سبيل المثال أحدث ميزانية وتوقعات اقتصادية قدمها مكتب الميزانية في الكونغرس للعقد القادم. فبالإضافة إلى النظر في عواقب القانون الحالي، فهو يسرد السياسات القائمة التي من المقرر أن يتم التخلص منها، ولكن التي قد يؤثر استمرارها في الأغلب على الميزانية والاقتصاد: مجموعة القوانين، بما في ذلك تخفيضات بوش الضريبية، التي تجددت مؤقتا بعد انتخابات التجديد النصفي عام 2010، والانخفاض الحاد في أجور الأطباء وفقًا لبرنامج الرعاية الصحية (العلاج المالي السنوي الذي يعرف باسم “doc fix”)؛ وفوائد بطالة الطوارئ الموسعة؛ و2 في المئة إعفاء ضريبي لرواتب الضمان الاجتماعي. كما أخذت في الاعتبار التخفيضات التلقائية (أي “الحجز”) التي تم إنشاؤها بقانون مراقبة الميزانية الذي تم سنه ردًا على مواجهة 2011 بخصوص سقف الديون.
أدت التوقعات الأساسية والسيناريو المالي البديل تقديرات متناقضة بشكل حاد للعقد المقبل. في ظل التوقعات الأساسية، والذي يفترض العودة إلى معدلات الضرائب في عهد كلينتون للجميع وتنفيذ الحجز، ينخفض عجز الموازنة بشكل حاد من 1.1 تريليون دولار في عام 2012 إلى 213 مليار دولار بحلول عام 2015، ويكون العجز التراكمي بين عامي 2012 و 2022 هو 2.3 تريليون دولار فقط، وتنخفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال ذلك العقد من 72.8 في المئة إلى 58.5 في المئة. على النقيض من ذلك، ففي إطار السيناريو المالي البديل يتراجع عجز الموازنة قليلاً بحلول عام 2015 قبل عودته إلى ارتفاع عنيف، ويصل العجز التراكمي إلى 10 تريليون دولار، وترتفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 90 في المئة.
خلاصة القول: ملامح قانون الضرائب التي تجعل منه صفقة تجنب “الهاوية المالية” قانونًا دائمًا تعكس بشكل وثيق الافتراضات في قلب السيناريو البديل. وهذا يعني أنه في المستقبل ستكون التوقعات الأساسية أقرب بكثير إلى الواقع السياسي، وسيتم الحكم على كل اقتراح جديد على أساس معيار واحد سيشكل تحديًا أصعب بكثير. وستهدأ ألاعيب المحاسبة التي جعلت الكثير من مناقشة الموازنة الأخيرة عديمة التأثير بالنسبة للجمهور. ستستغرق جلسات الاستماع في الكونغرس وقتًا أقل في التنافس على خطوط النزاع الأساسية. ربما لا يكون لدى المشاركين استعدادًا أكثر من أي وقت مضى للاتفاق حول ما إذا كان ينبغي لنا زيادة أو خفض الإنفاق والضرائب، ولكن سوف يتضح ما إذا كان اقتراحًا يمثل زيادةً أو خفضًا. سيضطر السياسيون إلى قضاء مزيد من الوقت في مناقشة المضمون بدلاً من القشور. (الخلاف الذي دار بين البيت الأبيض ومكتب الميزانية في الكونغرس حول ما إذا كان اتفاق تجنب “الهاوية المالية” يؤدي إلى زيادة أو خفض العجز في الميزانية هو مثال جاء في الوقت المناسب عن التشويش الذي يمكن أن تخلقه خطوط النزاع الأساسية).
اتفاق تجنب “الهاوية المالية” يجعل واقع حالنا الأساسي واضحًا بما فيه الكفاية حتى يفهمه غير الخبراء. فبدون زيادات ضريبية كبيرة وخفض في الإنفاق، سيصل العجز في الميزانية السنوية إلى تريليون دولار خلال العقد المقبل، وينتقل عبء الديون إلى ما يطلق عليه الكثير من الاقتصاديين (ولكن بالتأكيد ليس جميعهم) “منطقة الخطر”. ويجب على الكونغرس والشعب أن يقدرا هذه العواقب في مقابل التضحيات المطلوبة لتفاديها.
الأمر الوحيد الواضح هنا: هذا النقاش هو مجرد بداية، ولن ينتهي قريبًا. الاتفاق على تجنب “الهاوية المالية” لا يفعل شيئًا لسقف الديون، ويؤخر المصادرة شهرين فقط، ويترك الجمود بشأن الاعتمادات في مكانه حيث كان. يرى الجمهوريون الذين وجدوا أنفسهم في موقف دفاعي بعد نوفمبر 2012 أن هناك فرصة لاستعادة الأفضلية في فبراير 2013. وسوف يصرون على خفض الإنفاق العميق في مقابل زيادة في سقف الديون، في حين أقسم الرئيس أوباما أنه لن يفاوض مرة أخرى تحت أي تهديد. ولكن إذا فشل قادتنا الآن في إحراز تقدم، سيكون من الصعب إلقاء اللوم في الفشل على الحسابات الخاطئة.
Commentary
Op-edكيف عالجت صفقة التغلب على “الهاوية المالية” مشكلة حسابات واشنطن الخاطئة
January 3, 2013